حروف و سطور..!




بين حالات الضعف والقوة .. والخمول والحركة .. تولد مرحلة وسط لا نستطيع إدراكها فإما الخمول التام أو الاحتراق بلا دخان .

عالم السطور .. عالم مختلف في خباياه ..هناك ملايين الكتب ..وهناك الكثير ممن يمتهن السطور ومن يهواها .. ولكن القليل من يقرأ ما بين السطور!!

البعض من البشر قد يقرأ سطر ويمر عليه مرور الكرام ..والبعض يمر على السطر ليلقى السلام..والبعض يتوقف ليرى السطر من كل زواياه .. والبعض يشاهد كل هؤلاء !!

عالم الإنسان عالم غريب وذلك ليس بجديد .. ولكن الأروع هو تواجد عوالم الحيوان والطيور والنبات لترى الجميل حينما تمتلئ عيناك بالقبيح وترى الخير حينما يعم الشر .

حياتنا سطور ولكن مختلفة الزوايا فليس الجميع كالخط المستقيم وليس الجميع يكتب بنفس الاتجاه فنجد من يسير على نهج بداية اليمين ومن هو متبع اليسار ومنهم من قلب الورقة ليبدأ من أسفلها إلى أعلاها .


3 التعليقـــــــــــــــات:

فارس عبدالفتاح يقول...

أن ابن آدم يعلم أن عمر الإنسان قصير، وعلم العالم كثير، وسره مغمور؛ وكيف لا يكون كذلك وهو ذو صفائح مركبة بالوضع المحكم، وذو نضائد مزينة بالتأليف المعجب المتقن؛ والإنسان الباحث عنه وعما يحتويه ذو قوى متقاصرة، وموانع معترضة، ودواعٍ ضعيفة، وإنه مع هذه الأحوال منتبه بالحس، حالمٌ بالعقل، عاشقٌ للشاهد، ذاهل عن الغائب .

وإن الأولى بهذا الإنسان المنعوت بهذا الضعف والعجز أن يلتمس مسلكاً إلى سعادته ونجاته قريباً ويعتصم بأسهل الأسباب على قدر جهده وطوقه؛ وإن أقرب الطرق وأسهل الأسباب هو في معرفة الطبيعة والنفس والعقل والإله تعالى، فإنه متى عرف هذه الجملة بالتفصيل، واطلع على هذا التفصيل بالجملة، فقد فاز الفوز الأكبر ونال الملك الأعظم، وكفى مؤونة عظيمة في قراءة الكتب الكبار ذوات الورق الكثير، مع العناء المتصل في الدرس والتصحيح والنصب في المسألة والجواب، والتنقير عن الحق والصواب .

فالإنسان بين طبيعته وهي عليه ، وبين نفسه وهي له، كالمنتهب المتوزع، فإن استمد من العقل نوره وشعاعه قوي ما هول له من النفس، وضعف ما هو عليه من الطبيعة وإلا فقد قوي ما هو عليه من الطبيعة وضعف ما هو له من النفس .

وإن كان الأمر فيه أيضاً صعباً وشاقاً وهائلاً وعاملاً، ولكن ليس لكل أحد هذه القوة الفائضة، وهذه الخصوصية الناهضة؛ وهذا الاستبصار الحسن، وهذا الطبع الوقاد، والذهن المنقاد، والقريحة الصافية والاستبانة والتأمل ، وهذه المزية التي له مستفادة بالعقل، لأن العقل ينبوع العلم، والطبيعة ينبوع الصناعات، والفكر بينهما مستملٍ .

فمما ينبغي أن يعنى الإنسان المحب للتبصرة، المؤثر للتذكرة، الجامع للنافع له، النافي للضار به في هذه الأحوال التي وصفناها بأسمائها معرفةً - ما استطاع - باجتلاب محمودها واجتناب مذمومها، وتمييزه مما يكمن فيه أو تقليله، أو إطفاء جمرته، أو اجتناء ثمرته، والطريق إلى هذا التمييز واضح قريب .

فأما الحسن والقبيح فلا بد له من البحث اللطيف عنها حتى لا يجور فيرى القبيح حسناً والحسن قبيحاً، فيأتي القبيح على أنه حسن، ويرفض الحسن على أنه قبيح؛ ومناشىء الحسن والقبيح كثيرة: منها طبيعي، ومنها بالعادة، ومنها بالشرع، ومنها بالعقل، ومنها بالشهوة، فإذا اعتبر هذه المناشىء صدق الصادق منها وكذب الكاذب، وكان استحسانه على قدر ذلك ومثال ذلك الكبر فإنه معيب بالنظر الأول، لكنه حسنٌ في موضعه بالعلة الداعية إليه، والحال الموجبة له .

وأما الصواب والخطأ فأمران عارضان للأقوال والأفعال والآراء، وليسا بخلقين محضين، ولكنهما موكولان إلى نور العقل، فما أشرق عليه العقل بنوره فهو صواب، وما أفل عنه العقل بنوره فهو خطأ.

وأما الخير والشر فهما في العموم والشمول ليسا بدون الصواب والخطأ لهما مناط بكل شيء، ويغلبان على الأفعال، وإن كان أحدهما عدماً للآخر.
وأما الرجاء والخوف فهما عرضان للقلب بأسباب بادية وخافية، ولا يدخلان في باب الخلق من كل وجه ولا يخرجان أيضاً بكل وجه وهما كالعمادين للإنسان قد استصلح لهما، وربط قوامه بغلبتهما وضعفهما.

وأما العدل والجور فقد يكونان خلقين بالفطرة، ويكونان فعلين بالفكرة وجانباهما بالفعل ألصق، وإلى الاكتساب أقرب.

وأما الشجاعة والجبن فهما خلقان متصلان بالخلق، ولهذا يعز على الشجاع أن يتحول جباناً، ويتعذر على الجبان أن يصير شجاعاً، وكذلك طرفاهما داخلان في الخلق أعني التهور والتوقي .

وأما السخاء والبخل فهما خلقان محضان أو قريبان من المحض، ولهذا تعلق الحمد والذم بهما وبأصحابهما، والمدح والهجو سريا إليهما واتصلا بهما؛ وقد يندم السخي على بذله كثيراً خوفاً من الإملاق، فلا يستطيع ذلك إذا أخذت الأريحية، وحركته اللوذعية؛ وقد يلوم البخيل نفسه كثيراً إذا سلقته الألسنة الحداد، وجبه بالتوبيخ، وشمخ عند رؤيته الأنف، وغضن الجبين وأولم بالعذل وقوبل؛ ومع ذلك فلا يرشح إلا على بطء وكلفة وتضجر؛ والكلام في هذين الخلقين طويل، لأنهما أدخل في تلاقي الناس وتعاطيهم في عشرتهم ومعاملتهم .

وأما الحلم والسفه فهما أيضاً خلقان، والأخلاق تابعة للمزاج في الأصل، ولذلك قلنا: إن الخلق ابن الخلق، والولد شبيهٌ بوالده؛ وفي الجملة، كل ما يمكن أن يقال فيه للإنسان لا تفعل هذا، وأقلل من هذا وكف عنه، فإنه في باب الأفعال أدخل، وكل ما لم يجز أن يقال ذلك فيه فهو في باب الأخلاق أدخل، ثم لبعض هذا نسبة إلى الخلق أو الخُلق، إما ظاهرة غالبة وإما خفية ضعيفة.

وأما الطيش والوقار فهما يختلطان بالحلم والسفه ويجريان معهما؛ فليس ينبغي أن ينشر الكلام ويطول الشرح .

فارس عبدالفتاح يقول...

وأما الجهل والعلم فليسا من الأخلاق ولا من الخلق وإنما يبرزان من صاحب الأخلاق والخلق للمزاج أثرين قويين واحدهما عدم والآخر وجدان، والعدم لا يكون أعدم من عدم، والوجدان يكون أبين من وجدان.

وأما المعرفة والنكرة فهما في جوار العلم وضده، ولكنهما أعلق بالحس وألصق بالنفسين، أي الشهوية والغضبية.

وأما العقل والحمق فليس من الخلق، والكلام في تفسير العقل مشهور، وعدمه الحمق.

وأما الصحة والمرض فليسا أيضاً من الأخلاق، ولكنهما يوجدان في الإنسان بواسطة النفس، إما في البدن، وإما في العقل، ولذلك يقال: أمراض البدن، وأمراض النفس، وصحة البدن وصحة النفس.

وأما الاعتدال والانحراف فهما يدخلان في الخلق بوجه، ويخلصان منه بوجه، ويعمان أعراض البدن وأعراض النفس، ويوصف بهما الإنسان، على أن الانحراف المطلق لا يوجد، والاعتدال المطلق لا يوجد، ولكن كلاهما بالإضافة.

وأما العفة والفجور فخلقان لهما جمرة وهمود، والحاجة تمس إلى العدل في استعمال العفة ونفي الفجور، وإذا قويت العفة حالت العصمة، وإذا غلب الفجور صار عدواناً.

وأما التنبيه والغفلة فقريبان من الخلق ويغلبان على الإنسان، إلا أن فرط التنبيه موصولٌ بالوحي، وفرط الغفلة موصول بالبهيمية.

وأما الذكر والنسيان فليسا بخلقين محضين، ومنشؤهما بالمزاج، وأحدهما من علائق النفس العالمة، والآخر من علائق النفس البهيمية.

وأما الذكاء والبلادة فهما خلقان، ونعتهما كنعت الذكر والنسيان، إلا أن هذين يعرضان في الحين بعد الحين، والأخريان كالراسخين في الطينة.

وأما الغبطة والحسد فخلقان رسم الأول منهما بأن تتمنى لنفسك ما أوتيه صاحبه ورسم الثاني بأن تتمنى زوال ما أوتيه صاحبك وإن لم يصل إليك. ورسوم هذه الأخلاق أسهل من تحديدها، لكنا تركنا ذلك، لأن الكلام الذي كان يجري هو على مذهب الخدمة.

على أن مراتب هذه الأخلاق مختلفة، فيبعد أن يعمها حد واحد، وإنما اختلفت منازلها لأنها تارة تصفو بقوة النفس الناطقة، وتارة تكدر بالقوانين الأخريين؛ ولبعضها حدة بالزيادة، ولبعضها كلة بالنقص، فلم يكن التحديد يفصل كل ذاك، فلم نعرج على شيء عجزنا عنه قبل أخذنا فيه. وتتم بقية ما علق بهذه الجملة.

فنقول: وأما الدماثة والكزازة فخلقان محضان تابعان للمزاج، ثم المران يزيدهما قوة وضعفاً؛ وهما للنعت أقرب، كالسهولة والعسر؛ ولذلك يقال: ما أدمث هذه الأرض، أي ما أرخاها وألينها؛ وفي المثل: دمث لجنبك قبل النوم مضجعاً.

وأما الحق والباطل فليسا من الخلق ولا الخلق في شيء، وهما من نتائج المعرفة والنكرة، لأنك تعرف الحق وتنكر الباطل، وذلك لأغراض تتبعهما، ولواحق تلتبس بهما.

وأما الغي والرشد فليسا من الخلق، لكنهما من علائق الأفعال الحميدة والذميمة؛ وللرأي والعقل فيهما مدخل قوي وحظ تام.

وأما البيان والحصر فليس بينهما وبين الخلق علاقة، وإنما يتبعان المزاج ويزيد فيهما وينقص الجهد والتواني والطلب والقصور.

وأما الثقة والارتياب فخلقان يغلبان ينفعان ويضران ويحمدان ويذمان ألا ترى أنه يقال: لا تثق بكل أحد، ولا ترتب بكل إنسان وهكذا الطمأنينة والتهمة، لأنهما في طيهما.

وأما الحركة والسكون فليسا من حديث الخلق في شيء لأنهما عامان لجميع الأحوال سواء كان العمل مباشراً أم كان معتقداً؛ وفي الحركة والسكون كلامٌ واسع، وذلك أن ههنا حركةً إلهيةً، وحركةً عقلية، وحركةً نفسية، وحركةً طبيعية، وحركة بدنية، وحركة فلكية، وحركة كوكبية، وحركةً كأنها سكون.

فأما السكون فهو ضرب واحد، لأنه في مقابلة كل حركة ذكرناها. فإذا اعتبرت هذه المقابلة في كل مقابل لحظ الانقسام في السكون، كما وجد الانقسام في الحركة.

والحركة أوضح برهان على كل موجود حسي، والسكون أقوى دليل على كل موجودٍ عقلي؛ وهذا القدر كافٍ في هذا الموضع.

فارس عبدالفتاح يقول...

وأما الشك واليقين، فمن علائق النفس الناطقة، ولهذا لا يقال في الحيوان الذي لا ينطق: له يقين وشك.

وأما التوقي والتهور، فهما خلقان في جميع الحيوان، ويغلبان على نوع الإنسان، لأن العقل يبطل أحدهما، والحس يغلب الآخر.

وأما الإلف والملل فخلقان محضان، يذمان ويحمدان على قدر المألوف والمملول، وإن كان جريان العادة قد وفر الحمد على الإلف، والذم على الملل.

وقد مدح زيد فقيل: هو ألوف. وذم عمرٌو فقيل: هو ملول.

وأما الصدق والكذب، فمن علائق النفس الناقصة والكاملة؛ وقد يكونان راسخين فيلحقان بالخلق، إلا أن الصدق ممدوح، والكذب مذموم، هذا في النظر الأول، وقد يعرض ما يوجب المصير إلى الكذب لينجى به؛ فهما إذن بعد الحقيقة الأولى وقفٌ على الإضافة؛ وقد وجدنا من كذب لينتفع، ولم نجد من صدق ليكتسب الضرر.

وأما الإخلاص والنفاق، فهما يلحقان بالخلق، ولكنهما يصدران عن عقيدة القلب وضمير النفس.

وأما الإحسان والإساءة، فهما يعمان الأفعال والأقوال، فإذا رسخ اعتيادهما استحالا خلقين.

وأما النصح والغش، فهما خلقان، وطرفاهما يتعلقان بالخلق وكذلك الطمع واليأس، والحب والبغض، واللهج والسلو، وما شاكل هذا الباب.

وقد قيل أيضاً: " وخالق الناس بخلق حسن"، وعلى هذا يجري أمر الضريبة والطبيعة والنحيتة والغريزة والنحيزة والسجية والشيمة، وربما قيل: الطبيعة أيضاً، ثم العادة تاليةٌ لهذه كلها، أو زائدة فيما نقص فيها، وموقدة لما خمد منها.