صخور الآخرين


معظم مشاكلنا في التعامل مع الآخرين تأتى في خطأ في تفكيرنا نحن لا في تفكيرهم هم. فنحن نفكر في الناس دائماً كما لو كانوا مثلنا تماماً متطابقين معنا في كل الصفات النفسية والأخلاقية وبالتالي فإننا ننتظر منهم أن يتصرفوا معنا كما لو كانوا نحن وكنا هم.. فإذا جاء ما ننتظره منهم أقل مما نتوقعه صدمنا فيهم وتغيرت مشاعرنا تجاههم وخسرنا صفاء نفوسنا .. وربما خسرنا صداقتهم وتكرر هذا الخطأ دائماً مع إن كل إنسان هو وحدة قائمة بذاتها، لهذا فلابد أن تختلف ردود أفعالة إلى حد ما عن ردود أفعال الآخرين .. ومالم نعرف ذلك ونوطن أنفسنا على قبوله عانينا معهم واتهمناهم بالجحود وخسرنا سلامنا النفسي وازداد إحساسنا بالغربة ونحن وسط زحام الآخرين.



أن عالمي النفس ماك بين ورونالد جونسون يؤكدان أنه لا يوجد في الدنيا شخصان متماثلان تماماً في صفاتهم النفسية والجسمانية وأن كل إنسان يعتبر عديم النظير كبصمة إصبعه التي لا تتكرر فإذا عرفنا ذلك وفهمناه استرحنا وعشنا حياتنا بمعاناة أقل . وأفضل سلاح تستعين به على أن تعايش الآخرين في سلام هو أن تؤمن بأنك إنسان مختلف لكنك لست إنساناً متميزاً على الآخرين لان اختلافك عن الآخرين يقنعك باختلافهم عنك ويعينك على فهم تصرفاتهم المختلفة عن تصرفاتك ويساعدك على نقبلها وتلمس الأعذار لهم فيها.. أما إحساسك بالامتياز عنهم فلا يخلق لك سوى الأعداء!




يجب أن نؤمن مع أبى حيان التوحيدي بأن الحقيقة أكبر من أن يدركها عقل واحد .. وانه لو وضع فيل أمام عشرة أشخاص مكفوفين وتحسس كل منهم الجزء الذي يواجهه لقال أحدهم هذا خرطوم وقال الثاني هذا عاج وقال الثالث هذا حائط، وكل منهم صادق لأنه عبر عن الحقيقة كما أحسها هو بمدركاته وبعقلة المحدود. فإذا تفكرت في هذا المثال الذي أورده التوحيدي آمنت بأن كل رأى يحمل جانباً من الحقيقة وإن بدأ مخالفاً تماماً لما نعتقد انه الحق والصواب.. ولتعاملت مع آراء الآخرين بما تستحقه من احترام وبما يستحقونه من إنصاف وتقدير واجتنبت الكثير والكثير من الأخطاء والعثرات . فالحق إن الحياة ملاحة صعبه في نهر تعترضه الصخور والجنادل وكل إنسان يحتاج إلى أن يكون ملاحاً ماهراً ليقود سفينته الصغيرة فيه بحكمة بغير أن تتحطم على صخور الآخرين !




كان عمر بن الخطاب يقول : ضع أمر أخيك على أحسنه حتى يجيئك منه ما يغلبك على ظنك . أي توسم فيه الخير إلى أن يصدمك بشرة . وكان يقول عليك بإخوان الصدق فإنهم زينة فى الرخاء وعدة فى البلاء وكان يقول أيضاً لا تطلبن حاجتك إلى من لا يحب نجاحها لك ..




إني أتذكر دائما عبارة المفكر الفرنسي جان جاك روسو التي قال فيها : كان عندي ست نظريات لتربية الأبناء وليس عندي ولد واحد ، والآن صار عندي ستة أولاد وليس عندي نظرية واحدة لتربيتهم!
فإذا سألتني لماذا أتذكرها أجبتك بأني أنا أيضاً عندي ست نظريات للحياة بسلام مع الآخرين لكن كل أملى هو أن تنجح واحدة منها قبل أن ينتهي العمر!


4 التعليقـــــــــــــــات:

فارس عبدالفتاح يقول...

أولاً : كل عام وأنت بخير .

ثانياً : في أي كتاب قال التوحيدي هذه العبارة لأني لم اقرأ لأبي حيان التوحيدي غير كتاب الامتناع والمؤانسة والى ألان لم استطع أن أتم قراءته إلى أخره لعدة أسباب .


ثالثاً :

كلام صح وميه ميه في عدم التوافق أو التماثل بين البشر في كل شيء .. ولكن أيضا هناك أمور مشتركة كثيرة لابد وان تكون جامع وقاعدة للاحتكام والعمل على أساسها وفي ضوئها .


أولها : القيم الإنسانية .

وثانيها : هو العرف .

وثالثهما : الدين .


لهذا وعلى أساسه توجد ضوابط لتحكم العلاقات الإنسانية بين البشر ... وإلا صارت الأمور على المجهول وأصبحت الفوضى والهمجية هي الحكم في العلاقات الإنسانية .



ولكن أيضا جاء الفلاسفة العبثيين بفلسفتهم التي تشكك في كل ما هو ذا قيمه من القيم الإنسانية الأخلاق والعرف وكل شيء له دلاله وله قيمه .

وقالوا أن العرف هو دكتاتورية اجتماعية بين الأفراد وأنكروها ... كذلك القيم البشرية والأخلاق أنكروها وطالبوا بإعادة النظر في هذه القيم ومن جعلها قيم ثابتة ولها معنى ومرجعيه بين البشر .

كذلك الدين .. الخ


المهم أن البشر مع تنوعهم ومع اختلافهم فلديهم ما هو مشترك وان تم إنكار هذه المشتركات سادت الفوضى وعم الخراب وإلا فلا معنى من الحياة ولا معنى من الجنة والنار والحساب والعقاب .

رابعاً : سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل له ما الحزم .

فقال الحزم سوء الظن ...... أو كما قل صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم .

فمع وجود الاختلاف والتنوع يوجد إذا تضارب في المصالح ويوجد اختلاف في وجهات النظر والرؤى .

لذلك لا تأخذ الأمور على حسن النية أو نقاء السريرة ،، ولكن تقدر الأمور على قدرها .


تقبل كل التحية ،،

فارس عبد الفتاح .. قومي عربي

صدى الصمت - عاشقة الورد - يقول...

كل عام وانتى بألف خير وصحة وسعادة
ورمضان كريم

فارس عبدالفتاح يقول...

عفواً

اكرر طلبي : في أي كتاب ذكر التوحيدي قصة العميان والفيل ..

ولكم جزيل الشكر والتقدير ،

۩ Nour ۩ يقول...

معذرة يا استاذ فارس على التاخير فى الرد كان عندى مشكلة فى الجهاز. وكل عام وحضرتك بخير
قرأتها فى كتاب صديقى ما أعظمك للاستاذ عبد الوهاب مطاوع.

****



صدى الصمت كل عام وانتى بخير وشكراً ليكِ .