نقطة البـــداية




قال ألبير كامى كلمته الشهيرة " يكفيني أن أتعلم بصبر علم الحياة الذي يفوق في صعوبته ومرارته كل العلوم والفنون "

إن أكثر ما يستهوينى هو التعلم من تجارب الآخرين طبقا للمقوله.. من سمات الرجل أن يتعظ بتجارب غيره لا بتجاربه هو .. فالغبي من يخطئ ويكرر نفس الخطأ… والذكي الذي يتعلم من خطأه .. والأذكى هو الذي يتعلم من أخطاء الآخــــرين..

ومن خلال ما قرأت تأثرت بالعديد من شخصيات الأعمال الأدبية ، والعديد من الكتاب والأدباء وسردهم الشيق لما تحويه أعمالهم .. ومن خلال ما قرأت ما سطره الأستاذ عبد الوهاب مطاوع – رحمه الله- في إحدى كتبه عن شخصية الموظف البائس " جران " في رواية الطاعون للأديب الفرنسي ألبير كامى فقد كان جران يعيش وحيداً في شقته ويمضى الليل ساهراً منكباً على عمل مجهول وعندما أقترب منه الطبيب " ريو " وأصبح من أصدقائه باح له بسره العظيم !!



إنه يكتب أول عمل أدبي له ويحتم بأن يكون أديباً مشهوراً ، ويمضى الليالي الطويـــلة ساهراً يكتب ويشطب ويريد أن يبلغ بعمله الأول قمة الكمال حتى إذا ما انتهى منه وقرأ ه الناشر .. نهض مسرعاً من وراء مكتبه ورفع قبعته وقال للعاملين معه ، أرفعـــــــــــوا القبعات تحية لهذا العمل الكبير !!



وبسبب ذلك الحرص البالغ على أن تكون البـــداية مبهرة يمضى "جران" الأيام يفكر في كل حرف قبل كتابته.. ويحكى للطبيب شارحاً معاناته : إنه قد يكون من السهل الفصل بين "لكن " و " و " لكن من الصعب أن تفاضل بين " و" و "ثم" أما ما هو أصعب من ذلك فهو أن تعرف هل من الأفضل استعمال "و" أساساً أم لا !!




وظل هكذا يكتب ويبدل ويملأ الصفحات الطويلة تم ينحيها جانباً ويكتب غيرها ، وتمر السنوات بغير أن يكتب في عمله الكبير سوى سطراً منه:
" في صباح يوم جميل من أيام شهر مايو . كانت هناك فارسة جميلة تمتطى فرساً حمراء وتجوب بها غابة بولونيا المزهرة ".

ولا تسلم تلك الجملة من التغير والتبديل مع شرحِِ وافِِ لسبب كل تعديل ...
وتنتهي روايــة الطاعون ، والبائس "جران" لم يكتب سوى جملته ، ولم يبدأ خطوته الأولى في طريق تحقيق الأهداف !




وإذا تأملنا شخصية "جران" نجدها تعيش داخل العديد منا ولكن إذا توسعنا بالنظر من خلال المجتمع فنجد العديد ممن يسيرون على ذلك النهج العقيم ولا يؤمنون أن كل الطرق تؤدى إلى روما .
فمهما كانت البداية متواضعة أو أقل تواضعاً فالأهم ،، هو التمسك بأهدافنا وان نلهث وراءها إلى أن تتحقق ولابد أن تتحقق في يوم .
فالحياة لا تعطى لمن يعكس الآية ويريد الانطلاق من حيث نهاية الآخرين فالحياة تسير مع من تعب أولاً ، وليس مع أولئك الذين ينتظرون البداية المرموقة التي لا تأتى إلا بعد العديد من محاولات البدء .



فالحياة لا ترفع القبعات إلا للمكافحين الذين يسلكون طريق المحاولة مراراً وتكراراً بلا كللِِ ولا مللِِ .. إلى أن يصلوا إلى مرادهم المنشود بالعرق والدموع والكفاح... وليس أولــــئك الذين يتملكهم التردد والمفاضلة بين "ثم" أو " و" من أجل بدايةً صاروخية .. إلى أن تسقط وريقات البداية وتنتهي رواية العمر ولم يسطروا منها حتى الحرف الأول !!...


0 التعليقـــــــــــــــات: