مستقبلى ورائـــــى !!





هل أنت خائف من المستقبل ؟...


بعض الشيء


وأنا كذلك.... لكنى..... أفكر !!


وما دمت أفكر فلا بد من أن أسلم بأن المستقبل غيب ...والغيب لا يعلمه إلا الله وليس من الحكمة أن أفسد حاضري لحساب المستقبل ..أو لحساب الماضي فلا بكائي على الماضي سوف يغير من واقعي ولا خوفي من المستقبل سوف يغيره أو يخط فيه خطاً جديداً.والخوف من المستقبل داء قديم عرفته البشرية منذ زمان طويل...فالإنسان مهموم دائماً بمستقبله كأنما سيعيش أبداً ...وهو في سن الصبا مهموم بمرحلة الشباب وفى سن الشباب مهموم بمرحلة الرجولة وفى سن الرجولة يخاف من الشيخوخة وفى سن الشيخوخة يخاف من الموت مع أنه " حاضر" دائماً في كل مراحل العمر ويمكن أن يهبط في آية لحظة.والإحساس المبالغ فيه بالمستقبل إحساس مرضى معروف يفقد معه الإنسان سلامة النفس ويحس دائماً بالقلق والتوجس ، والفقيه الدستوري دكتور عبد الرازق السنهوري كتب مرة يقول : ما تعبت لشيء أكثر من تعبي عندما أفكر في المستقبل !


والملك الحسن ملك المغرب سئل مرة في بداية توليه الملك في بلاده وهو في سن الشباب عن إحساسه بالمستقبل فقال كلمته الشهيرة التي أصبحت مثلاً " مستقبلي ورائي " يقصد أن مستقبله قد تحدد بماضيه وبالتالي فهو وراءه وليس أمامه ! .


وبعض الشباب في بلادنا يرون معه أن مستقبلهم وراءهم وليس أمامهم ...لأن صعوبات الحاضر قد قللت فرصهم لتحقيق أحلامهم في المستقبل ..فالماضي قد جني على الحاضر ...والحاضر سوف يجنى على المستقبل ...وسوف يغتال الأحلام ويقتل الطموحات .وهذا الإحساس قد يكون له مبررة في بعض الوجوه... لكنه في إجماله ليس صحيحاً لأن إرادة الإنسان أقوى دائماً من كل الصعوبات ..ولان كل إنسان يستطيع أن يسعى إلى تحقيق أهدافه ...وأن يبذل الجهد والعرق والدموع من أجلها...فإن نالها رضي عن نفسه وأن قصر الإمكانيات عن بلوغها فيكفيه شرف المحاولة لكي يرضى أيضاً لأنه لم يقصر في حق نفسه ولأنه قد " حــــــــــــــــاول "...وسوف يحاول مرة أخرى مؤمناً بأن على المرء أن يسعى وليس عليه إدراك النجاح وبأن :


ما كل يتمنى المرء يدركه .. تأتى السفن بما لاتشتهى السفن


وما أكثر ما أتت به الرياح مما لا تشتهى السفن ...ومع ذلك فقد حاولت السفن وغالبت وصمدت حتى إجتازت العواصف واستقرت في مسارها فوق الحياة الهادئة الآمنة...وفى كل الأحوال ،، علينا أن نرضى دائماً بما حققناه، وبما اخترناه لأنفسنا ، واختارته لنا الأقدار فالتوفيق في النهاية من عند الله ...وللحظ دور غير منكور في حياة البشر لكنه ليس الدور الوحيد أو الدور الاساسى ..


والملكة الكسندرا إحدى ملكات أوربا في العصور الوسطى كانت تدعو لابنها قائلة : " رب اجعل له حظاً يستخدم به أصحاب العقول ولا تجعل له عقلاً يخدم به أصحاب الحظوظ !! "


رغم اعترافي بدور الحظ في حياة البشر فإنى لا اتفق تماماً مع مضمون هذا الدعاء العجيب لان الحظ وحده لايكفى ، ولأنه أذا أفاد في بعض الحالات فلن يفيد في كل اختبارات الحياة .. فلا بد دائماً من العقل حتى ولو خدمنا به أصحاب الحظوظ في بعض الأحيان ولابد من الاستعداد الكافي لمواجهة معركة الحياة ولابد من الاستعداد الكافي لمواجهة معركة الحياة ولابد من الإرادة والكفاح والصبر لأن كل قصص النجاح التي تستهوينا هي غالباً قصص هذا المزيج العجيب العقل " أي العلم " والحظ والكفاح والإرادة والصبر والأمل والقدرة على تكرار المحاولة . وهو مزيج مر الطعم كمزيج الحديد والزرنيخ الذي تقدمه المستشفيات المجانية لمرضاها لكن مفعوله هنا أكيد ....وقبل ميلاد المسيح عليه السلام بخمسمائة سنة قال الإغريق : إن أفضل الأشياء هي أصعبها منالاً !!!


ومازالت هذه الحكمة صحيحة حتى الآن ...فما يتحقق بغير تجرع هذا المزيج المر لا تقدره غالباً حق قدره ولا نستمتع به..وغالباً ما نفقده بنفس السهولة التي جاءنا بها لأن ما يأتي سهلاً يضيع سهلاً كما يقول المثل الإنجليزي ...أما ما بذلنا من أجله العرق والدموع ...فإننا نتشبث به ونحافظ عليه ونبنى فوفه لأننا نعرف جيداً كم شقيناً لكي نناله...وكم سهرنا من أجله الليالي ...وفى كل مراحل العمر ...على الإنسان دائماً أن يحاول تحويل خسائره الشخصية إلى مكاسب فيحاول دائماً أن يبدأ من حيث فشل مؤمناً بأن قطرة الماء تثقب الصخر وأن " المستقبل " الذي يسعى إليه هو مشروع سنوات طويلة وليس مشروع أسابيع أو شهور ، وأن ما نعانيه من صعوبات أو الآم لـــــــــــــن تستمـــــــــــرإلــــــــــــــــى الأبــــــــــــــــــد ..وحتى لو استمرت فلقد حولها غيرنا من خسائر إلى مكاسب فلماذا لا نحاول مثلهم؟؟!!!


إن بعض المؤرخين يعتقدون أن الصعاب الشخصية التي واجهت بعض العباقرة والمشاهير هي السبب الاساسى في نبوغهم وفى شحذ إرادتهم لتحقيق ما حققوه ويرون أنه لم يولد الفليسوف الفرنسى ديكارت مريضاً عليلاً فترات طويلة في الفراش والذهاب متأخراً إلى الفصل ولما قضى ساعاته في الفراش متأملاً....ومفكراً ...وقارئاً...مما أهَّله فيما بعد لوضع فلسفته التي يعتبرونه بها أبا الفلسفة الحديثة...


ويرى بعض النقاد أنه من المحتمل جداً أنه لو لم يكن الشاعر الإنجليزي مبلتون أعمى لما كتب قصائده..وأنه لو لم يكن الموسيقار العبقرى بيتهوفن أصم لما ألف روائعه الموسيقية وأنه لو لم يكن الكاتبان الروسيان تولستوى ودستوفسكى والموسيقار تشايكوفسكى معذبين في حياتهم الخاصة لما ألفوا روائعهم الخالدة ...أما العالم الإنجليزي تشارلس داروين صاحب نظرية التطور فقد كتب هو نفسه يقول : لو لم أكن مريضاً طريح الفراش لما أنجزت ما أنجزت من أعمال ! .


ونفس الشيء يمكن أن نقوله عن طه حسين والعقاد وغيرهما من العمالقة الذين تحدوا ظروفهم الشخصية أو الاجتماعية...وشربوا هذا المزيج العجيب الذي ينبغي أن نوطن أنفسنا على أن نتجرعه حتى الثمالة ثم يحق لنا بعد ذلك أن نتساءل بقلب يؤمن بالله...ويطمع في رحمته...ويثق في عدالته..ويخفق دائماً بالأمل...


تــــرى..... ماذا تخبئ لنا أيها الغد ؟!!

3 التعليقـــــــــــــــات:

Mo3Az يقول...

:)
جميل اوى ماشاء الله
استاذ عبد الوهاب مطاوع رحمه الله من الكتاب الرائعين الذين يلمسون مكنون النفوس

اختيار موفق للموضوع
وبدايه موفقه ان شاء الله
مدونة جميلة
ولى زيارات اخرى بالتاكيد
:)

غير معرف يقول...

اشكرك على هذاالكلام المتسلسل وتعبيراتك الرائعه والتنسيق فى موضوعاتك وهذا يشير الي موسوعه من الفكر الثقافي المتميز اتمنى لكي مزيد من التوفيق.

جلال كمال الجربانى يقول...

السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

المستقبل بيد الله
ولكن علينا أن نحلم
ونعمل على تحقيق الحلم
لأن لو بطلنا نحلم نموت

ودمتِ فى أمان الله