الكلمة.. كيف تباع ؟!





قالت: لم تعد للكلمة مكان فى زماننا , لقد تراجعت سطوتها , وانطفأ بريقها .. كل شىء فى الحياة الآن تحسمة القوة ويسقط أمام جبروت العلم .. فالناس يخشون القوة ويستكينون أمام إغراءات العلم . الإنسان يخاف من القنبلة .. ويتوه أمام سحر الفيديو والكمبيوتر . إنه يشعر بضألته أمام جندى يحمل مسدساً ويقف مذهولاً فاقد الوعى أمام سفينة الفضاء التى تخترق السماء فى رحلة للقمر.
أما الكلمات فلم تعد تغرى أحداً ..قد نرددها كثيراً فى أشعارنا ولكنها لا تحسم شيئاً.

قلت: حينما تختل الاشياء فليس معنى ذلك غياب الحقيقة . فإذا حملنا شخصاً , وألقينا به فى غرفة مظلمة , وقلنا له إن الشمس غابت ولن تعود , فليس معنى هذا أن الناس خارج غرفته لا يرون الشمس ولا يستمتعون بالنهار .
وفى دول العالم النائم – أقصد الثالث- نسى الناس ان هناك شيئاً اسمة الحرية ..وليس معنى أن الحرية غابت عن الدنيا كلها . فمازال فى العالم أصوات ترفض , وشعوب تثور , وحكومات تحترم إرادة الانسان !!
فإذا كان من صفات الجلاد أن يسجن أو يقتل , فمن حق الانسان أن يحلم وأن يرفع صوتة ..فقد يكون هذا الصوت أقوى من كل أسلحة الجلاد ..والصوت هو الكلمة .. والكلمة هى الانسان !
إن العلم يسحرنا .. والقوة تقهرنا .. ولكن الكلمة الشريفة تحررنا .. وسوف تبقى دائماً أوسع الطرق إلى الخلاص.

قالت : ولكن ماذا تفعل الكلمة أمام طاغوت القوة ؟

قلت : الكلمة حركة بطيئة ولكنها مضمونة فقد تأخذ منا عمراً طويلاً , ولكننا سوف نصل على أجنحتها يوماً ولو تأخر هذا اليوم وإذا لم نصل نحن فسوف تصل أجيال أخرى ستجىء بعدنا.
إن الكلمة تذكرنى بخيوط الحرير التى ننسجها فى سنوات طويلة من العمر وبقدر العمر الذى تأخذه بقدر ما يكون لها من قيمة . إن القوة تغير الاشياء فى لحظة .. ولكنها تبقى بعض الوقت ولا تبقى كل الوقت . والكلمة باقية .والقوة إلى زوال !
إن عضلات الإنسان أسرع رحيلاً ولكن عقلة أطول الاشياء عمراً وحينما يتوقف العقل يموت الانسان .والانسان يخشى القوة ولكنه يحترم الكلمة ..وما أبعد المسافة بين الخوف والاحترام. والانسان يكره الجبروت ويحل الارادة.. والكلمة تصنع الاراده ولكن القوة لا تصنع الارادة فى كل الاحيان وخاصة إذا كانت إرادة غاشمة وغبية .
والارادة أقوى من القوة لانها تسبقها ولانها أطول عمراً والسجان يملك أن يقطع رأسى ولكنه لا يستطيع أن يغتال كلماتى فى أعماق الناس .

قالت : ولكنى أقرأ الآن كلمات أشعر معها بالغثيان .. فهى لا تضيف شيئاً بل تمتهن عقل الانسان.

قلت : الحياة سوق للبيع والشراء .
يوجد فيها التاجر الشريف الذى يخشى الله .
والتاجر اللص الذى يستبيح أموال الناس .
وتوجد السلعة الجيدة ..والسلعة الرديئة.
ويوجد فيها الصادق و المزيف .. والنظيف والردىء.
ولن تتساوى الاشياء فى قيمتها ..وإن أختلت كل الموازين..
لن تتساوى كلمات يضعها الإنسان وساماً على صدره , مع كلمات يضعها الإنسان تحت حذائه.
لن تتساوى كلمات تسكن القلوب .. وأخرى تسكن سلة المهملات .
لن تتساوى كلمات تضىء كالنهار .. مع كلمات تطفىء كل الانوار .
لن تتساوى كلمات تعلم الناس الفضيلة .. وأخرى تفتح أمامهم كل أبواب الرذيلة .
لن تتساوى أبداً يا سيدتى كلمات تقال على المنابر وأخرى مكانها الاوكار والحانات .

قالت : مازلت تؤمن بالكلمة ؟

قلت : إنها عمرى ولن أعيش بعدها يوماً .