أصدقاء آخر الزمان




ما الذي يكشف معادن الأصدقاء ؟


قلت : أعرف صديقي وقت محنتي أجده بجواري فى ساعة حزنى ،أشعر بيده تنتشلني من دوامة سقوطي .. حين تظلم الدنيا وتغلق أبوابها أجده أمامى ممسكا بشمعة صغيرة يحاول أن يفتح أبواب سجنى المغلقة .
الصداقة معدن نقى نختبر صلابته فى ساعات الشدة .. قد تجد حولك آلاف الأصدقاء إذا أقمت لهم حفلا ولكنك قد لا تجد شخصا واحداً منهم إذا واجهتك مشكلة. هناك أشخاص يعرفونك ويتقربون إليك ما دمت واقفا على قدميك ، حتى إذا سقطت انفضوا من حولك وربما ألقوا عليك الحجارة اما الأصدقاء الأصدقاء فقد لا تراهم فى أوقات سعادتك ولكنك تجدهم حولك فى ساعة محنتك.
وأنا أحزن كثيراً كلما ضاع منى صديق ، أشعر بأن خسارة المال تعوض ولكن خسارة الناس لا تعوض ، فقد تخسر مالاً وتعوضه ولكن خسارة الصديق لا تعوض.
قالت: كيف أختبر أصدقائي؟ إنني أحيانا أجد حولى مهرجاناً من البشر الكل يدعى انه صديق كيف اعرف من يخدعنى ومن يحبنى؟
قلت: ليس هناك وسائل محددة لكشف زيف الصداقات وخاصة أن الأقنعة أصبحت كثيرة والأدوار متشابهة والناس يجيدون التمثيل ولهذا فأنا أجلس عادة فى الصف الأخير لكي أشاهد المسرح والكل يؤدى دوره وانتظر لكى أرى نهاية الرواية . وعادة أجد أن ما بقى بين يدى من الأصدقاء أقل مما تصورت . فأنا أحزن كثيراً كلما خاننى أو تخلى عنى صديق ، فالصداقة مثل الحب عمل اختياري لا أنا فرضت عليه صداقتى ولا هو أجبرنى على أن أكون صديقاً له ..وليس فى الصداقة إتفاق مسبق ولكن هناك أختيار قد تحكمه الصدفة او العقل . إن الصداقة مثل الحب تقتحم أيامنا وقد يخدعك صديق نصف عمرك وتكتشف انه لم يكن أكثر من أكذوبة كبيرة وأن لغة المصالح هى التى ربطت بينكما وعندما سقطت المصالح سقط معها آخر أركان الصداقة.
قالت : كيف اختار اصدقائى ؟
قلت : نحن نعيش الآن أخر الزمان ولهذا مطلوب منك ان تبحثِ بين عشرات الأكوام من الأوراق المالية المزيفة عن ورقة واحدة صحيحة . مطلوب منكِ الا تحاولى أن تقطفى الزهرة الجميلة لآن وراء عطرها ثعباناً كبيراً.
مطلوب منكِ ألا تتركى خزائن أسرارك بين أيدى صديق قد يبيعك فى أول مزاد ، وقد يعرض أسرارك فى أول بوتيك يلتقى فيه مع رفاق السوء ، فما أكثر المذابح التى تتعرض لها الناس فى جلسات الأصدقاء يستباح العمر والسمعة والقيمة .. وفى كل ليلة ضحية جديدة تتسلل فى أعماقها الخناجر والكل يتحدث باسم الصداقة !
فالصداقة أحساس عميق فى داخلنا وليست مجرد أجندة تليفونات تجمع مئات الأرقام وعشرات العناوين والآف المصالح .. قد لا تجد فى أجندة تليفونك أسما واحداً تأتمنه على لحظة صدق أو سر من أسرارك.
لابد أن يكون الإنسان حريصاً فى اختيار أصدقائه وخاصة فى زماننا الغريب الذى يبباع فيه كل شىء ويستهان فيه كل المشاعر ويستباح فيه كل القيم وليس معنى ذلك أن كل الصداقات سقطت .. وكل الأصدقاء باعوا ولكن أعدادهم صارت قليلة فما اكثر الناس حولك .. وما اقل الأصدقاء.. الأصدقاء.


أشعر بوحدة شديدة كلما سقط منى صديق ، تزاد برودة الايام ويزداد الصقيع وتكسو تلال الجليد مساحة كبيرة فى أعماقي وكلما كفنت صديقاً تمنيت لو أعدت له الحياة ، لو وجدتة فجاه يستعيد نبضة وينهض واقفاً .. أتمنى وأنا اوسدة أيام عمرى أن اسمع كلمة عتاب او رجاء او تراجع ، ما أكثر الأصدقاء الذين ورايتهم في أعماقي وأنا حزين.. خسارة الصديق خسارة عمر .. والعمر لا يرجع أبداً للوراء.

عادت تدق أبواب أيامى



عادت تدق أبواب أيامي ..



قالت: لم يبق إلا كل شيء جميل.. كلما تذكرتك طافت في رأسي تلك الأيام الجميلة التي قضيناها معاً.. ومرت على قلبي صورة الأحلام في برأتها والعمر في أحلى لياليه.
قلت: كنت دائماً أذكرك وأقف أمامك باحترام شديد.. وأشعر أن لك مكانه عميقة في نفسي وان ظلال الخريف التي عبرت على أيامنا لم تستطع أبداً أن تنزع جذور ذكرياتنا. كلما طافت أمام عيني نماذج قبيحة من البشر تذكرت قلبك الكبير الذي أحتوانى يوماً. إن الإنسان منا يشبه خريطة الكون هناك مناطق فقيرة وأخرى غنية هناك مناطق تغرقها الأمطار وأخرى يقتلها الجفاف والناس مثل خريطة الحياة هناك من يغرقون الحياة بعطائهم وهناك من لا يعرفون شيئاً اسمه العطاء.
بعض الناس مثل الأرض التي لا تعطى غير الملح و بعض الناس مثل الأرض الخصبة تعطى كل كنوزها كلما تدفقت في شرايينها المياه وأنت من هذا النوع الأخير .. كنت دائما أجد فيك وطناً جميلاً يعلم أبناءه كيف يكون الحب.. إنك نموذج غريب من الناس أصبح الآن نادراً في هذا الزمن ولذلك وضعتك في جزء بعيد من قلبي وأغلقت عليك خزينة ذكرياتي.
كنت دائما أخاف أن تهب على أيامك رياح النسيان ولكنني تأكدت أن قلوبنا لا تنسى إلا ما يستحق النسيان وأن في قلب الإنسان ميزاناً صغيراً يبقى ما يستحق البقاء. هناك بعض الناس يعبرون في قطار أيامنا ولا نستطيع أن ننساهم وأنت من هذا النوع من البشر كنت أشعر أن قدرتي على نسيانك عبء لا أقوى على تحمله.
قالت: تمنيت كثيراً لو عاد بنا الزمان وعشنا أياماً معاً مرة أخرى.
قلت: إننا لا نستطيع أن نعيد الزمان ولكننا نستطيع أن نحافظ على مشاعرنا ومادام الإحساس في داخلنا يمكن أن نعيش زماناً أخر. لقد كنت أشعر دائماً أن ما كان بيننا لم يصل إلى نهاية رغم أننا أسدلنا الستار والشيء الغريب إننا افترقنا دون استئذان وانسحبنا في هدوء واخذ كل منا أشياءه وفى حزن رحل. كنت دائماً أسال عنك وكنت أتألم وأنا أرى أمواج الحياة تلقى بك هنا وتدفعك إلى هناك وأنا لا أستطيع أن أمد يدي إليك في أحيان كثيرة لم أكن أريد شيئاً أكثر من أن أسمع أخبارك وأعرف ماذا صنعت بك الحياة ؟
قالت: ولكنني كنت أعرف كل شيء عنك .
قلت: هذا هو الفرق بين حياتي وحياتك أنت تعيشين في برجك العاجي البعيد وأنا أعيش فوق أوراق الشجر حياتي مشاع بين الناس وحياتك لا يعرفها أحد.. أيامي تتناثر أمامي كالزجاج المكسور فوق أرصفة الشوارع.. وأيامك زجاجة عطر معتقة وصورة جميلة في برواز أنيق، أيامك واحة تحيط بها الأشجار والزهور من كل جانب وأيامي بحر صاخب يتغير كل يوم وكل ساعة عشرات المرات. كم تمنيت أن أعيش بعيداً عن ضجيج الناس وتفاهتهم وأخطائهم لكنني لا استطيع لقد تعودت أن أعيش الحياة بكل متاعبها وأحزانها سيرك كبير نعيش فيه ومازلنا نسمى الناس بشراَ رغم أن كل شيء في هذه الحياة فقد كل معاني الإنسانية.
قالت: مازلت تحبني .
قلت: أجمل الأشياء أن أحب إنساناً وأحترمه إن ذلك أعلى مراتب الحب، أن يجتمع الإحساس مع التقدير أن تتوحد مشاعر القلب والروح مع حسابات العقل وأنا مازلت أحبك وأحترمك.
قالت: هل تجمعنا صدفة أخرى.
قلت: أجمل الأشياء في حياتنا تحملها صدفة.. وسوف أعيش على أمل أن تتكرر هذه الصدفة.