وراثة الإسلام





ذات يوم سئل طفل صغير عن ما النعم التي تستحق الشكر والحمد فكان رد الطفل: إن الحمد لله إن ربنا هو ربنا !!
هل تدبر أحد منا تلك الجملة الصادرة من فم لا عفواً من قلب الصغير؟ فسنقول بعد التدبر.. نعم والله الحمد لله إن ربنا هو ربنا واحد أحد.. ولكن كيف اهتدى ذلك الصبي إلى ذلك القول.. فإنه بالمقارنة بين ذلك الطفل والعديد من الأطفال في يومنا الحالي.. فيا تُرى ماذا ستكون الإجابة أعلى ذلك النهج أم..؟ وأيا ما كانت الإجابة..!!
فنحن منذ الميلاد لأبوين مسلمين، أول ما يطرق أذننا بعد لحظات الميلاد الأذان والإقامة، وخلال مراحل الطفولة يتولى الأبوان تربيه تلك النبتة النقية التي ما زالت على الفطرة.. فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم" كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانة"
فالفطرة هي.. دين الحق وفطرة الله التي فطر الناس عليها، وخلال مراحل التربية الأولى تتحدد معالم التفكير أو بالأصح خريطة حياة ذلك الصغير .. فمن خلال تربيه قوامها التوحيد الخالص والجلوس حول مائدة العلم الشرعي لتعلم أحكام الدين تحدث مرحلة انتقاليه من وراثة الدين إلى العلم الكامل واليقين الفائض من نبع الإيمان الذي يحرك الروح والجسد ويبدأ الطريق بتذوق حلاوة ذلك الإيمان.. فالإيمان يزيد وينقص .. يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية..
وخلال تلك المرحلة الانتقالية تكون مرحله الولادة الحقيقة المتسلحة بالفطرة التي جبله الله عليها " فطرة موقنة سليمة أن هناك إله ورب خالق يجب التوجه إليه"
فالتوحيد الخالص "هو الإيمان بتوحيد الاولوهية والربوبية والأسماء والصفات"...فقد كان العرب في الجاهلية" المشركين" يعلمون أن هناك رب " توحيد ربوبية" ولكن لم يترسخ لديهم توحيد الاولوهيه فكانت الأصنام تعد الالهه التي يتوجه إليها بالعبودية ولكن عندما تضيق بهم الارض بما رحبت وتعصف بهم الكوارث التى لا تظهر عدم نفع ولا ضر تلك الاصنام فانهم يتذكرون ويتوجهون الى الاله الخالق ولكن سريعا ما تنكص القلوب على عقبيها ،وعند الحديث عن عبادة الاصنام فكانوا يتفوهون أنها طريق لتقربهم إلى الرب.. ولم يكن لديهم الإيمان و التوحيد الكامل أنه إله واحد هو فاطر الكون والأحق بالعبوديته والتوجه إليه... وذلك ما أنبته الإسلام في القلوب ..ونحن جميعاً مسلمين بذلك ومؤمنين به .. ولكن في بعض الأحيان لا تحدث لدينا المرحلة الانتقالية من وراثة الإسلام إلى الإيمان الكامل المستند إلى بصيرة على نور من الله..فنظل في طور الوراثة "(ومن الكلمات السخيف المنتشرة مسلم بالبطاقة)" وتلك مرحله الوراثة بعينها،
ولذلك خاف أمير المؤمنين على الأمة من أن كثيرا منهم سيولد على الإسلام يرثه من والديه وراثة ، فلا يقدروا الدين حق قدره فيجهلوا ويضلوا.."
لذلك يظل من اقتصر على الورثة لا يسال ولا يحاول الانتقال إلى حاله العلم الكامل والاتصاف بالإيمان والالتحاق بطائفة المؤمنين..
فهل تسأل أحد منا ما الفرق بين المسلم والمؤمن ؟
قال تعالى " قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ " [الحجرات:14]
وهل تسأل احدنا وهو يقرأ القرآن عن الترتيب في العديد من الآيات بين المسلمين والمؤمنين
قال تعالى" إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات...."
فالإسلام" المسلم" هو الاستسلام والخضوع لله تعالى " منذ النطق بالشهادة والقيام باركان الإسلام.. هذا المسلم..
أما الإيمان فهو أخص من مقام الإسلام وذلك عند اقترانهم في سورة الحجرات في الآية السابقة ..فالايمان قول وعمل..يشمل قول القلب وهو التصديق وعمل القلب وهى العبادات القلبية كالتوكل على الله ومحبته وخشيته ورجائه وقول اللسان وعمل الجوارح...فإذاً كل مؤمن مسلم وليس كل مسلم مؤمناً..
كما ورد فى كتاب الإيمان الكبير لشيخ الإسلام ابن تيميه –رحمه الله – في أنه قد فرق الرسول عليه الصلاة السلام في حديث جبريل عليه السلام بين مسمى الإسلام ومسمى الإيمان ومسمى الإحسان،، فالدين ثلاث درجات أعلاها الإحسان وأوسطها الإيمان ويليه الإسلام... فكل محسن مؤمن وكل مؤمن مسلم وليس كل مؤمن محسن ولا كل مسلم مؤمناً "..

وتلك الأسئلة والعديد لا تستيقظ إلا لدى أصحاب الفطر التي تحث على التعلم والبحث..فالعلم الشرعي هو علم الروح التي تسكن الأجساد، بخلاف العلم الذي يساعدنا على تنميه مهارتنا واتساع عقولنا لكل ما يدور بالحياة فيعد غذاء للعقل ..ولكن لا نستطيع الاستغناء عنه ولكن من أخطاءنا الكبيرة أننا نهتم بأجسادنا ونتغافل عن غذاء أرواحنا فنجد أروحنا تصرخ داخل أجسادنا نظراً للظلام الذي يسكن الجسد فنظل نتخبط في كل اتجاه ونصاب بحالات من الاختناق والحنق إلى أن نهتدي إلى البصيرة النورانية المشعة داخل الجسد ..
فالقلوب لا تبصر إلا في حاله تواجد العين داخل ذلك القلب وذلك لا يتأتى إلا من خلال العلم على بصيرة من الله.. لذلك حث الإسلام على العلم وتم الترغيب في طلبه وذكر مكانة العلم والعلماء وطالب العلم .. لان بالعلم يحدث المرحلة الانتقالية التي تحرك القلوب وبالتالي تتحرك الأجساد بطريقه تلقائية للقيام بعبادات الجوارح والعبادات القلبية على يقين ..
وعلى عكس الحال فيمن يتصفون بالإسلام في البطاقة .. فتتملكهم أجسادهم في توجيههم وسريعا ما تحدث الانتكاسة بالتكاسل عن العبادات..ونجد بعض من حالات الجهل والضلال المتمثلة بفعل بعض من الأشياء التي يعتقد أنها من الشريعة..
فالقلوب التي تسكنها البصيرة تهتدي إلى الصواب بالفطرة التي جبلها الله عليها ..
قال تعالى"فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور "
ولكننا في ظل الحياة الصارخة التي تضع على كاهلنا ألاف الأطنان من الهموم فنظل نلهث في الدنيا محاولين الإمساك بالظل...
لا نلتفت إلى أرواحنا ولا إلى من فى أعناقنا فتدخل ونخرج من الدنيا ونحن لم نتعلم شيء..وربما بقينا وصفاً كما في البطاقة !!


11 التعليقـــــــــــــــات:

د. ياسر عمر عبد الفتاح يقول...

جزاكِ الله خيراً على تلك الجولة المكوكية السريعة فى عقيدة أهل السنة والجماعة من ذكرٍ للإيمان وتعريف لأقسام التوحيد الثلاث وأهمية العلم الشرعي عامةً وعلم فروض الأعيان خاصةً.
يغفل الكثير من المسلمين عن أن هناك أجزاء من العلم هي بمثابة فرض عين عليه , يجب معرفتها ودراستها , ومنها التوحيد وبعض فروع الفقه كفقه الصلاة والوضوء والصوم وفقه البيوع لو كان تاجراً مثلاً وهكذا كي يستقيم إيمانه وتصح حياته ويرضي ربه.

لي مأخذ
ذكرتِ أن الكفار قبل الإسلام لم يعرفوا ولم يقيموا توحيد الألوهية لا في السراء ولا في الضراء.
ولكن هذا غير صحيح ومخالف للعديد من الأيات القرآنية والأثار عن النبي صلي الله عليه وسلم , حيث ورد أنهم يدعون الله وحده لا شريك له حينما تتقاذفهم السبل وتضيق عليهم الأرض بما رحبت وحينما يستجيب لهم وينجيهم يشركون به فى تناقض غريب .

{هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَاءتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنِّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (22) فَلَمَّا أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنفُسِكُم مَّتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَينَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (23)} سورة يونس

{فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} (65) سورة العنكبوت
{وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُم مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُم مِّنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ} (33) سورة الروم
{وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ } (32) سورة لقمان

د. ياسر عمر عبد الفتاح يقول...

نسيت أن أقول أنه مقال جميل حقاً ولغته أسهل كثيراً مما ممضي .
أسأل الله أنا يجعله في ميزان حسناتك

۩ Nour ۩ يقول...

جزانا وإياك يا دكتور..

ربما خاننى التعبير..لكن
ما اقصده انهم كانوا يتوددون الى الالهه من أجل مطلب لديهم سواء بانقضائة وايضا فى حاله السراء ينسبون ذلك الى الالهه" الاصنام"

ولكن فى احلك الظروف التى لاتجدى الاصنام وتضيق بهم الارض وتكاد تعصف بهم الصواعق يتذكرون الله ولكن سريعاً ما تعود الكره...


وإن لم يتضح المعنى كذلك فساقوم بالتعديل... ان شاء الله

واشكرك لتعليقك.. ورايك فى المقال..

دمت بخير..

د/عرفه يقول...

فعلا مقال جميل
يارب يرزقنا الفهم الصحيح للدين
ويفقهنا فى ديننا ما حيينا


انا مع دكتور ياسر
فى ان هناك من توصل بشكل ما الى التوحيد
ايام الجاهلية
حتى انى اتذكر اننا اخذت موضوعا نثريا ايام الدراسة عن التوحيد وقيل ايام الجاهلية
ولكن للاسف لا اتذكره الان

۩ Nour ۩ يقول...

دكتور عرفة..

ما اتذكره دليل : ان ابو بكر الصديق رضى الله عنه قبل الاسلام لم يسجد لصنم قط...وكان ممن حرموا الخمر على أنفسهم في الجاهلية، وكان حنيفياً على ملة إبراهيم عليه السلام"


اشكرك لتعليقك...وربنا يرزقنا العلم النافع والعمل بما علمنا..

دمت بخير..

إيمان يقول...

ما شاء الله يا نور مقال مميز جدا

جزاك الله عنه كل خير

الأمور دى ديما بتشغلنى

وبحس اننا بنفرط فى كنز عظيم جدا

زى ما يكون حد ادالك هديه ثمينه جدا

ولأنك لا تستحقها تلفظها بعيدا

ونرجع ندور فى ساقية البحث عن الذات

تحياتى لهذا القلم الجاد

Soul.o0o.Whisper يقول...

نور الجميلة

تحياتى لقلمك المبدع أولا ،

ثانيا باتفق معاكى إن الاسلام أصبح عند معظمنا وراثة
مجرد اسم على غير مسمى

فقدنا لب الاسلام و جهوره
و اصبح من يتذكره منا
يتذكره على صفحات الوجوه ،و الملابس

أما بخصوص الاسلام و الايمان و الاحسان
فمن أجمل الامثلة التى ذكرت أمامى لهما

أن شُبه الاسلام بالجسد الخالى من الروح و من نقش الجوارح
فإذا نقشت الجوارح و تحددت ملامحها
فذلك الايمان

و ما إن تدب الحياة فى الجسد ، فقد وصلنا للاحسان

لذلك تجدى الكثير يسير بلا ملمح
فقد اكتفى باسم مسلم

و منا من نقشت جوراحه و تحددت
لكنه برغم ذلك فاقد لروح الاسلام

و القلة القليلة
تلك التى تجديها تدب فيها روح الاسلام وحياته
فتعمر الارض بفهم صحيح و عميق له



دمتى بود يا جميلة
و معلش على تأخيرى

عربي نيوز يقول...

السلام عليكم

أولاً مدونتك تحفة في الروعة والتألق
أسأل الله أن يجعلها في ميزان حسناتك
ثانياً صدقت فيما قلت فالكثير الكثير من شبابنا لا يعرفون من الإسلام سوى اسمه ، لا ينتمون له بصلة سوى الهوية...
وهذا ما يهددنا من داخل الإسلام
نسأل الله الصلاح والثبات على الحق...

بارك الله فيك وجعلك من أهل الله وخاصته
دمت بخير...

لا تنسوا اخوانكم في غـزة من دعائكم

||..بحــر الدمو..||

۩ Nour ۩ يقول...

إيمان..

نعم دوماً ما تحتل اذهاننا تلك الامور ولكن يأتى هنا دور العلم.

عندما تتحول المعتقدات الى ميراث فهنا يكمن الخطر فى وأد الروح التى تصرخ بداخلنا ونعانى أثر ذلك التخبط..

أشكرك يا ايمان على تعليقك ويسعدنى تواجدك ..

دمتِ بخير..

۩ Nour ۩ يقول...

عزيزتى همس الروح..

نعم تتحدد الملامح فاجسادنا ما هى الا وعاد لما بداخلنا .. فدوما ينضح كل اناء بما فيه..

نسال الله الهدايه وان يرنا الحق حقا ويرزقنا اتباعه وان يرنا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه..آمين

أشكرك لتعليقك ويسعدنى تواجدك..
دمتِ بخير..

۩ Nour ۩ يقول...

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته..

بحر الدموع..
اشكرك على كلماتك ..
نعم اخى ذلك ما يهددنا العلم ظاهريا والجهل بما يفترض ان يكون..

ندعو الله الهدايه لنا وللجميع..
وجزانا واياك ولك مثل دعائك..

دمت بخير..