بداية الألبوام - صور من حياتنا


سيدتي المخلصة حاولت البقاء وقمت بكافة الحروب من أجل إيقاف هطول الأمطار وسافرت إلى بلاد ما وراء النهر وتركت أغراضي هناك وتجردت من كل ذكرياتي وما يذكرني بكلمة حنين ولكن سيدتي هل لنا أن نترك قلوبنا المسكونة بالحنين؟
الأيام وحدها هي التي تمزق الحنين واللوعة، وتخلق مكانهما حجارة يابسة صماء .فالألم لا بد منه، لكن علينا أن نغير من أحرفه قليلاً بعد ذلك، لكي يصير : (أمل)..
وقد قيل : الألم كائن خرافي يمكن له الاختفاء لكنه لا يموت، يُبعث بعثاً، عندها تقوم قيامة الأحداث التي عشتها في ماضيك، و مع ظهور الألم المتجدد يكون فيروسا يحمل مرضين: ألم الماضي، و حِدّة الحاضر.

عندما تصبح فرداً فى عالم كبير يملؤه عوالم أخرى تختلف عنك فتحتاج إلى ان تصبح شخص متعدد الشخصيات ليس بهلوان بالطبع ولكن تملك من الخبرة ما يؤهلك لكى تصبح شخصيات جمة فى قالب واحد وذلك لن يتاح إليك إلا من خلال الخبرة الإنسانية من خلال ما تعيشه وما تعايشه وما يصادفك وما تصادفه فى حياتك وحياة المحيطين بك وما تصل إليه أذنك وما تراه عينك فكل منا لا يعيش فى باب مغلق على حياته ومسجل عليه ممنوع الدخول بل جميعنا نعيش فى غرف جميعها بدون أبواب لا تستطيع ان تعزل نفسك بحائط من خشب لان العزلة فى حد ذاتها تضغط على العقل من أجل التفكير فى كل شىء وتبدأ الهموم فى التزاحم والمشاكل فى التفاقم والحلول فى التضاؤل وتتسع الدائرة وتظلم الدنيا فى كل الغرف وتصبح أشبة بسجن فى الصحراء !

لذلك فى أوقات كثيرة نضطر إلى هدم الأبواب تلك ولو كانت من خشب كالورق حتى نندمج فى هموم الآخرين وعلى أثره نعلم ان ما نعانيه لا شىء فى ظل بحار الآخرين ونعلم إننا ننظر إلى الحياة من خارج غلافها وإننا لم نعيش شيئاً.

لابد لي أن اعترف اننى حينما أكتب صور من حياتنا لم أتعمد أن أروى فيها حكايات أشخاص بعينهم في قالب درامي ، لكن حينما يجلس الإنسان إلى قلمه وأوراقه ليكتب فإنه يستدعى بغير وعى منه كل ما ترسب في أعماقه على مر السنين من مشاهداته في الحياة وذكرياته الشخصية وذكريات من عرفهم على مر السنين وما عايشه أو اقترب منه من تجارب الآخرين فيسيل قلمه على الورق مختلطاُ بكل ذلك ومضافاُ إليه خواطره وأفكاره ورؤيته الشخصية للحياة .

قال جوهان جوته : كل الأفكار الحكيمة تم التفكير فيها آلاف المرات ولكن لنجعلها أفكارنا نحن علينا أن نفكر فيها مرة أخرى بصدق حتى تتغلل جذورها فى أعماق تجاربنا .


1 التعليقـــــــــــــــات:

فارس عبدالفتاح يقول...

قد أجمع الحكماء : أن العقل المطبوع والكرم الغريزي لا يبلغان غاية الكمال إلا بمعاونة العقل المكتسب ، ومثلوا ذلك بالنار والحطب ، والمصباح والدهن ، وذلك أن العقل الغريزي آلة ، والمكتسب مادة ، وإنما الأدب عقل غيرك تزيده في عقلك .

وأعلم أن الآداب إنما هي آلات تصلح أن تستعمل في الدين وتستعمل في الدنيا ، وإنما وضعت الآداب على أصول الطبائع ، وإنما أصول أمور التدبير في الدين والدنيا واحدة ، فما فسدت فيه المعاملة في الدين فسدت فيه المعاملة في الدنيا ، وكل أمرٍ لم يصح في معاملات الدنيا لم يصح في الدين ، وإنما الفرق بين الدين والدنيا اختلاف الدارين من الدنيا والآخرة فقط ، والحكم هاهنا الحكم هناك ، ولولا ذلك ما قامت مملكة ، ولا ثبتت دولة ، ولا استقامت سياسة .


ولذلك قال الله عز وجل : " ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا " .


قال أبن عباس في تفسيرها : " هو إذا انتقل إلى الدين ، فإنما ينتقل بذلك العقل ، فبقدر جهله بالدنيا يكون جهله بالآخرة أكثر ، لأن هذه شاهده وتلك غيب ، فإذا جهل ما شاهد فهو بما غاب عنه أجهل " .