الباحثون عن الكمال


الباحثون عن الكمال هم أتعس الناس في هذه الحياة إنهم مساكين فى هذا الزمن لأنهم غرباء !
وهذه القلة من البشر تعانى من مشاكلها مع الناس وتعانى من مشاكلها الخاصة.. فالإنسان حينما يصل إلى درجة من المعرفة يحاول أن يترجمها إلى سلوك.. والأفكار العظيمة كثيراً ما تصطدم بالواقع حينما تحاول أن تصبح وجودا حياً..
وما أكثر الأفكار التى عاش أصحابها تحت ظلالها وهم سعداء بها وظلت حبراً على ورق .. أما هؤلاء الفرسان الذين حاولوا أن يجعلوا من الفكر وجوداً فهم الذين دفعوا الثمن !! فمن السهل أن يقول الإنسان شيئاً ولا يفعله وأن يطالب الآخرين بأن يفعلوه ولكن الصعب دائماً أن تبدأ بنفسك وأن تفعل ما تقول ولان الكمال مساحة واسعة جداً من السلوك الانسانى فان قدرات الإنسان تظل محدودة فى الوصول إلى أعماقه البعيدة .
إنه يشبه البحار التى لا نصل إلى أعماقها ولا نعرف حدود شواطئها ولهذا يظل الباحثون عن الكمال فى حيرة مع أنفسهم ومع الناس لأنهم سلكوا طريق المعرفة وأصعب الأشياء أن تعرف لآن المعرفة تفتح فى أعماقنا أبواب التساؤل ولان التساؤل يقودنا للدهشة ولان الدهشة طريقنا للبحث والبحث ليس فى كل الحالات طريقاً مأموناً !
وهذا هو عبء المعرفة لان الذين لا يعرفون يجلسون فى مكان ما على رصيف الحياة لا يعنيهم من جاء ومن ذهب وما بقى وما ضاع إنهم يشبهون سكان المناطق البدائية ويتوقف بهم الزمن عند هذه المساحة الضيقة من الحياة . أما الانسان الذى عرف وشاهد وجرب فهو دائما فى حالة بحث عن الجديد واذا وصل إلى شيء حاول ان يتجاوزه واذا حقق حلماً زرع فى اعماقة حلما أخر.
فالانسان الذى يعرف يصبح اسيراً للمعرفة فهو أحب ولهذا لا يستطيع أن يعيش بغير مشاعر الحب ولأنة ذاق متعة الاشياء فهو لا يستطيع ان يعيش بعيداً عنها فهو يجد نفسه فى كتاب ويجدد شبابه كل يوم مع حدائق الالوان.. وتتحول المعرفة الى رغبة شديدة فى البحث عن المجهول وفى السفر دائماً فيما وراء الاشياء ويصطدام الانسان بالناس حوله انهم احيانا يرون فيه انساناً مجنوناً وهو يرى انهم مجموعات مختلفة من البشر جاءت لتأكل وتشرب وتنام وهو يحاول أن يفتح كل النوافذ والناس حوله يرون تحت أقدامهم وهم يرون أن سقف الحجرة هى اعلى نقطة فى هذا الكون ويرون الاشياء طقوساً وهو يرى الكون معنى.
ولهذا يعيش الباحث عن الكمال غريباً لانه اختار طريق المعرفة. والمعرفة عالم واسع رهيب لا تكفيه سنوات العمر وان طالت ولا يكفيه عقل الانسان مهما اتسع ! أما هؤلاء الذين اختاروا أن يعيشوا على ارصفه الحياة فهم أهدأ بالاً وأسعد حالاً لانهم يجيئون الحياة كما يرحلون عنها فقد اختاروا أن يكونوا على هامشها فى كل شىء. أما الباحثون عن الكمال فانهم يعانون متاعب الرحلة لانهم يحملون احزان زمانهم وما أكثرها. ولن يتساوى أبدأ من عاش مستكيناً على رصيف الحياة ومن دفع عمره ثمناً لرحلة البحث .

5 التعليقـــــــــــــــات:

غير معرف يقول...

إبحار عميق وحروف وفواصل بين السطور تحكي العديد والعديد ودرب تتفرع منه دروب في ظل صراعات الحياة نحو حلم جديد.

أسهبتي في سرد المعني بشكل لم أجد معه من حروف اعلق بها علي طرحك ..

لا حرمنا الله من حبر قلم يحوي دائما حكايات الواقع

صدى الصمت - عاشقة الورد - يقول...

سلمت يداكى وقلمك على هذا الموضوع الرائع
تحياتى

فارس عبدالفتاح يقول...

لان يستطيع ان يصل الى الكمال كما قلت لك لانه اذا وصل الى الكمال اصبح إله

ولا وجود الا لإله واحد .. هو الله سبحانه وتعالى

اما عن بحثه عن المعرفة فهذا لابد منه وشيء لا بديل عنه

فارس عبدالفتاح يقول...

ارجوا المعذرة على عودتي للتعليق مرة ثانية لأني قرأت الموضوع وأنا اعرف مضامينه ولكني علقت عليه بسرعة كبيرة وسطحية وغموض في نفس الوقت ، قد علقت على هذا الموضوع في العمل فكنت أسرع في التعليق واختصر ولكن الموضوع فلسفي يحتاج إلى ورؤية عميقة جداً ، وقد أمضيت فترة زمن ليس بالقصير في قرأت بعض الفلسفات عن هذا الموضوع مازلت وهو باختصار شديد عن الإنسان والوجود والمعرفة وتحقيق الإنسانية من خلل معرفة الحقيقة سواء أكانت في الوجود الإنساني والوجود المادي أو في الوجود المطلق (الله سبحانه وتعالى ) والفلسفات كثيرة جداً في هذا الصدد

من أول الفلسفة اليونانية القديمة ومدارسها من أول أفلاطون إلى أرسطو إلى هرقليطس إلى غيرهم في العصور القديمة وبعد ذلك رد المسلمون على هذه الفلسفات وكانت المعتزلة من أكبر الطوائف الإسلامية التي أسست علم الفلسفة الإسلامية أو بما كان يسمى – بعلم الكلام – ( المعتزلة – أهل التوحيد ) وهم تيار فلسفي إسلامي عظيم من لم يقرأ للمعتزلة وفلسفتهم فانه سوف يدور في دائرة مفرغة طول حياته ولن يجد رد أو أجابه على الأسئلة الفلسفية العميقة التي تخرج الإنسان من المعقول إلى اللامعقول ومن الإيمان إلى الشك لهذا فإن المعتزلة اعتبرهم نبراس هذه الأمة و عظماء الفلسفة الإسلامية

ومعظم الفلسفات تبدأ من نقطة الوجود وأول سؤال يطرح عن الوجود المطلق والعقل المطلق ( الله سبحانه وتعالى ) ، وتكلم فيه أفلاطون وأسطو وغيرهم الكثير في القدم كما بحث فيه الكثير من المحدثون في الغرب مثل هيجل وكانط والكثير الكثير وأيضاً في الجانب الآخر كار ماركس من الملحدين المشككين

ثم السؤال الثاني عن الوجود المادي من أكبر الأجرام في الكون إلى الذرة – والجوهر الفرد – مروراً بالإنسان ، وكان الفلاسفة الغربيين يطرحون سؤال أساسي هو عن معنى الوجود وما هو الوجود المطلق ، وهل هناك وسيلة للوصول إلى تصور وافٍ عن الوجود ، وهل هناك طريق يؤدي من تناهي الإنسان إلى الوجود .

فكان تفسير أو فلسفة المدارس الغربية أو أكثرها على أن : الإنسان هو الموجود الذي يهتم بوجوده ، أو بالأحرى بإمكان وجوده .


ومن خلال هذا يبحث في الوجود المطلق وتناهي الإنسان إلى الوجود .. والبحث عن الحقيقة وهل الحقيقة مطلقة أم نسبية .. إلى أخر هذه التساؤلات الفلسفية

هذا بالنسبة للفلسفات الغربية أما الفلسفة الإسلامية ( فلسفة المعتزلة ) فهي أرقى وأعلى وأنبل من هذه الفلسفات ليس لأني مسلم ولكن فعلاً وجدت فيها جميع الأجوبة المنطقية الفلسفية على جميع الأسئلة من أول الوجود المطلق إلى الوجود الحسي أو المادي إلى طريق التعرف على هذا الوجود وحقيقته .


ولكن المعتزلة لهم طريق صعب جداً في الفلسفة وكانت نهايتهم في محنة خلق القرآن مروراً بنفي الجهة عن الله سبحانه وتعالى وتوحيد الصفات لله سبحانه وتعالى


وهي محنه فلسفية عظيمة في فلسفتها وعظيمة في نتائجها لأنها تخالف مذهب ( أهل الحديث – الذين يسمون الآن بأهل السنة والجماعة ) لأن أهل السنة والجماعة يأخذون النصوص القرآنية والأحاديث ، اخذ النقل دون تفعيل العقل معها وهذا واقع لا جدال فيه .. لكن المعتزلة يفعلون العقل في فهم النقل ولا يأخذون النصوص بالظاهر .. فقط

وعلى فكرة


سميت فلسفة البحث عن الذات وارتباطها بالمعرفة والبحث في الكون وما وراء الكون بالفلسفة ( الوجودية ) ولها فلاسفة كثر في الغرب وهي مدرسة كبيرة جداً ويطلق عليه اسم الوجوديين

ن يقول...

السلام عليكم
الاخت الفاضلة نور .
تحياتى اليك ياعزيزتى فلقد كنت ابحث عن مدونتك من فترةطويلة فلم أكن أجدها ولقد سعدت عندما وجدت تعليقا لك فى مدونتى الاخرى .
...................
قال تعالى
قال الله تعالى: *إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ماخلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار سبحانك *

وقال تعالى
*قُلْ سِيرُوا فِي الأرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ*

وقال تعالى
*وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَــوَاتِ وَالأرْضِ وَلِيَكُونَ مِنْ الْمُوقِنِينَ*

وذكرالغزالى رحمه الله فى الاحياء أن لقمان كان يطول الجلوس وحده فكان يمر مولاه فيقول .يا لقمان انك تطيل الجلوس وحدك فلوجلست مع الناس كان آنس لك .. فيقول لقمان .أن طول الوحدة أفهم للفكر . وطول الفكر دليل على طريق الجنة .

والبحث عن الكمال يتوقف عند ما أرشدنا الله اليه فلن نجد كمالا الا من خلال ما أخبرنا به الله عز وجل و فى خلقنا وأنفسنا وابداعاتنا وتصوراتنا جزء من هذا الكمال .
مع خالص تحياتى .