مملكة الحب .. وتوظيف الأموال !!




قالت : ما الذى يضايقك من حواء ؟

قلت : أن أشعر أحياناً أننى أمام مأمور ضرائب يحاسبنى ولا يثق فيما أقول ، يتشكك فى أوراقى ، ويلعب معى لعبة القط والفأر. أشعر أحياناً أن الحياة أفسدت حواء فنست أن الله خلقها للعطاء ، وأن الأمومة جزء من تكوينها ، والأم هى المنطقة الوحيدة التى لا تستخدم قوانين الربح والخسارة فى العلاقات الإنسانية . كثيراً ما تطلق حواء كلماتها كالصواريخ : أعطيتك عمرى وشبابى وجمالى وأحلى سنوات عمرى . وهبتك العيون يوم أن كانت جميلة ، والضفائر حينما كانت تطاول أشجار النخيل ، والشباب حينما كان بريقاً وتدفقاً وحباً .. أعطيتك كل شىء ..!!
ونسيت حواء أن رجلها أعطاها أيضاً كل شىء : أعطاها شباباً .. وكانت الشعيرات البيض تختفى فى السواد يوم قابلها ..
كان يصعد درجات السلم كالغزال النافر ، وأصبح يتسكع عليه فى رحلة مرهقة .. وكان يسهر الليل والنهار ليوفر لها حياة كريمة مع أبناء سعداء. إن حواء لا تخطىء حينما تقول لرجلها : أعطيتك شبابى ولكنها تخطىء إذا تصورت أنها أعطت وحدها ، وأن عمرها قد ضاع، فهو أيضاً أعطى ، وعمره ضاع !!


قالت : ربما يرجع ذلك لأن حواء خلقت لتكون لرجل واحد ، ولكن الرجل يستطيع أن يجمع بين أكثر من امرأة .

قلت : كان هذا فى زمان مضىء فلا يستطيع الرجل الآن ، بكل المقاييس ، أن يجمع فى حياته بين أكثر من امرأة .. بمقاييس المال لا يستطيع ذلك إلا قلة من أثرياء زماننا .. وعلى المستوى النفسى والفكرى والثقافى ، أعتقد أن تركيبة الرجل تغيرت ، فهو فى أحيان يريد حواء المتكاملة عقلاً وروحاً ، فيبحث فيها عن وجدان يحتويه ، وعقل يخاطبه ، وحوار يجدد ركود أيامه . الرجل فى زماننا مرهق للغاية ، على كل المستويات .. فهو يلهث طول الوقت ليوفر حياة مناسبة ، ولا أقول حياة كريمة ..!! هو مطارد كل الوقت فى حياته وعمله .. إذا نجح حاربه الفاشلون ، وإذا سقط سخر منه الجميع . ولهذا نجده يحارب جهات كثيرة ليحمى نفسه ويحمى من يحب.
وحواء أيضاً أرهقها زماننا .. فهى لم تعد الأميرة التى تأمر فتجيب الحاشية أوامرها ، ولم تعد الأم التى تعطى أبناءها العمر والصحة والشباب ، ولم تعد الحبيبة التى تقضى عشرة أيام من الاسبوع تتغزل فى عيون حبيبها !!
أرهقتها الحياة أيضاً ، فهى مطاردة فى العمل والاتوبيس وطوابير الجمعية ، أو مطاردة بالوقت الضائع والفراغ وحكايات النوادى التافهة. وجلس كل واحد فى جانب يحاول أن يحاسب الآخر : ماذا أعطيت ؟


قالت : ولكن الرجل أنانى بطبعه .

قلت : الأنانية مرض عام لا يخص الرجال وحدهم ، لأن حواء تعانى منه كثيراً ، وإن كنت أتصور أن الأنانية من أبرز أمراض العصر ، لأن كل واحد يحاول أن ينجو ببدنه ، حتى ولو داس الآلاف بأقدامه فى رحلة صعود . وهناك مثل سخيف يقول : " إذا جاءك الطوفان ضع ابنك تحت قدميك " وهو منتهى الأنانية ، وهذا هو منطق العصر الذى نعيشه .

قالت : وماذا تنصحنى؟

قلت : لا أحب أسلوب فتح الملفات فى العلاقات الإنسانية ، فأنتِ حينما أعطيتِ عمرك وشبابك وقلبك ، أعطيتِ عن حب واختيار واقتناع ، ولهذا يجب ألا تندمى .. وهناك طرف آخر أعطى أيضاً عن اقتناع ، فكلاكما لم يمارس لعبه نصب على الآخر ، فهى بلغة الاقتصاد صفقه متكافئة ، لأن كليكما أعطى ، وربطت بينكما أشياء كثيرة ، ذكريات عمر جميل ، حتى الأيام الصعبة تربط بين قلوب الناس ومشاعرهم .
أسوأ ما يصيب الأحباب أن يتصور طرف أنه خدع الآخر ، وسرق منه بعض سنوات عمره ، فالسرقة إحساس ردىء ، ولا يجب أن يدخل دنيا المشاعر ، ولن أكون سعيداً أبداً إذا شعرت بأننى سرقت سنوات عمر انسانة أحببتها ، أو تتصور هى أننى سرقت منها شبابها .. الذى أعرفه أنه لا توجد شركات توظيف أموال فى مملكة الحب !!

من كتاب"عمر من ورق"


17 التعليقـــــــــــــــات:

محمد يقول...

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


أختي الفاضلة


كلمات جميلة ...... معبرة ....... نرجو من الجميع ذكرانا واناثا العمل بها ........ اختيارك موفق

خالص مودتي وصادق دعائي

د.أحمد يقول...

أروع الكتابات هي تلك التي يستوحيها المتأملون من واقع الحياة ..

المتألقة نور

عرضك مميز قادرعلي التعبير بصدق عن واقع مجتمعاتنا..

أحجز مقعدي هنا ولي عودة للتعليق

تامر علي يقول...

متفق معك تماماً في أن العلاقات الإنسانية لاتكال ولا تقاس بالعدد أو الكم وأن المعيار الوحيد لها هو الإحساس ...لكنه غالباً ما لايكون فيه اختيار ... لذلك فعندما تعرض أزمات العمر يتفقد كل طرف ما أنفقه ليحسب كم الخسائر

تحياتي :)

د/عرفه يقول...

جميل إنى أشوف إمرأة منصفة فى كلامها وتؤيد هذا الكلام

أتخيل دايما إن العلاقات الإنسانية دائما ما تقوم على التضحية

دايما سيكون هناك ما ستخسره فى مقابل أكيد سيكون هناك ما تكسبه

تحياتى

فارس عبدالفتاح يقول...

بصي يا/ نور

لو كنتي وضعتي هذا الموضوع لتجسي رد الفعل من الرجال او النساء على هذا الموضع وتجعليه باب للحوار والناقش

اوكيه ..

نتناقش ونتحاور ونتجادل ايضا بالعقل والمنطق

واذا كنت معتقده بصحة ما في هذا الموضوع ولهذا انت وضعتيه

فانا احييك احييك جدا واطلب منك انك تشوفيلي عروسة من هذا النوع وانا جاد في هذا الموضوع ولا اهرج

سارة احمد يقول...

معاكي حق يانور...ملفات العلاقات الانسانية عريب فعلا لا يشعر احد بااحد قدر مايشعر كل واحد بنفسة...حواء والرجل صراعات دائما وسبب هذا الصراع ان كل واحد يشعر بذاتة وما قدمت ولا ينظر ابدا الي ذات الاخر وما قدمت ولذلك كل واحد يحاول ان يلفت نظر الاخر لما فعل ويفعل عسي ان ينظر لة بعين التقدير فاذا كان وحدث تقدير كل واحد للاخر لقلة الصراعات...واذا زاد واحترم كل واحد الاخر وفهم ان كل واحد في منطقة مختلفةولامانع ابدا للتواصل رغم اختلاف المناطق ستختفي الصراعات تماما...تحياتي لقمك الناضج

د.أحمد يقول...

عودة مرة أخري إلي المداخلة بعد قراءة متأنية ...

<<<<< "من يروم التغني بقصيدة شعب لا يكون وحده، بل يكون مع الجموع وتدفعه الجموع>>>>

مقولة أظنها لــ سان جون بيرس

ملف العلاقات الانسانية ملف بالغ التعقيد..واقعه لا تحكمه قوانين التكامل والتكافل بقدر ما يحكمه انفلونزاسيكولوجيا السيطرة والانصياع وقانون السجن والسجان ..

وباء انفلونزا الطاغوتية يعم الأرض بأكملها بدءا من قمة المجالس وانتهاءا بالحكام الترانستور من أزواج وزوجات حيث صارت العلاقات بين الأزواج حرب اهلية مبطنة ..الكل يحارب الجميع ولا هدف غير السيطرة والاستحواذ

كم هو سهل سيدتي ان يتحول الانسان الطيب العادي مع الشعور بالإمتلاك شيطانا مريدا. وان هذا يخص كل واحد منا فلا يتفلت من هذا القانون احد. فداخل كل منا يجلس فرعون عظيم جاهز لقطع اطراف السحرة وصلبهم في جذوع النخل.
كلا إن الإنسان ليطغي ان رآه استغني

وكما قال (أتيين لابواسييه) في كتابه (العبودية المختارة عام 1562م): «يجب ان لا نراهن على الطيبة الموجودة في الانسان طالما يمكنه ان يؤذي ومعه مفاتيح القوة). وجميل ما ذكره باسكال: «أي شيء هذا الانسان الذي يجمع بين الحكمة وبالوعة الضلال... ان يكون قديسا أو وحشا..في كل فرح حزن ومع كل حياة مأتم..وهنا أضيف أيضا عبوديته لله ورغبته الباطنة في ممارسة الألوهية ولو بدون إسمها..

فمن يحل لنا هذا التناقض أو يبدل القناعات !!!!؟؟؟

عذرا للإطالة ...وأسفي ان كنت قد خرجت عن صلب الموضوع

سأترقب دوما جديدك

ودمتِ بنقاء

د.أحمد

د. ياسر عمر عبد الفتاح يقول...

كلام رائع
وشهد شاهد من أهلها
أو علي الأقل نقل الشهادة
يبدو أن هذه الكتاب قوي فعلاً

Soul.o0o.Whisper يقول...

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

نور ..

كويس ان الواحد يعرف اللى له و الى عليه
و كويس اننا نعطى قبل ما نطالب بالاخد

كويس اننا نبص للطرف التانى بعين العرفان
لا بعين النقد و التسخط

لكن يا نور عن تجارب فى واقع الحياة
اللى كاتب الكلمات دى مثالى اوى

أنا مش باعترض
ياريت فعلا الرجال يكونوا مقتنعين بدورهم و عارفين اللى عليهم
و النساء بردوا كدا

بس للأسف يا نور الحياة صعبة فعلا
و النفوس مش صافية
وبئا كل واحد شايف اللى هو بيديه و بس سواء بئا واحد و لا واحدة



و فى الاخر ..
ربنا يرزق الجميع بمن يرتضيهم و يرضاهم


دمتى بكل الخير يا جميل

۩ Nour ۩ يقول...

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

هذه حياتى..أشكرك لتعليقك ..وبالفعل يجب العمل بها ووضعها فى الحسبان لدى كلا الطرفان..دمت بخير.

___________________________

د. أحمد..
أشكر لتعليقك المفيد والاقوال التى به ..ولم تخرج عن الموضوع فالخيوط متشابكة وفى الاخير كل الطرق توصل لروما..واشكرك لاطراءك وسطورك
دمت بخير..

_________________________
تامر على ..

أستاذ تامر .. بالفعل ..فعندما تعرض أزمات العمر يتفقد كل طرف ما أنفقه ليحسب كم الخسائر .. فتحول الحياة إلى عملية اقتصادية ويضرب بعرض الحائط بكل شىء ما عدا الربح والخسائر ..
أشكرك لتعليقك.. دمت بخير

۩ Nour ۩ يقول...

د/ عرفه

أتخيل دايما إن العلاقات الإنسانية دائما ما تقوم على التضحية

..تضحية متعادلة..

أشكرك لتعليقك..والجميل أن نتفهم الامور بزاويتها الصحيحة ..اشكرك ..دمت بخير

____________________

فارس عبد الفتاح

نتناقش ونتحاور ونتجادل ايضا بالعقل والمنطق

ما ورد بالمقال هو النقاش والجدال بالعقل والمنطق والحقيقة التى طمستها الانانية

واشكرك على التحية..والتعليق..وربنا يوفقك ويرزقك ا لخير وما ترجوه..دمت بخير

_______________________

سارة أحمد..

اشكرك يا سارة لتعليقك.. وسطورك وفعلا لو اختفت الحسابات الاقتصادية وعند الخلافات يختفى دفتر الحساب والتنازلات الغير متوزانة سيتغير الحال..
دمت بخير

۩ Nour ۩ يقول...

د.ياسر

اشكرك لتعليقك ..الحمد لله وتم التبليغ..دمت بخير

________________
همس الروح
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

عزيزتى المشكلة مشكلة قلوب تحترق ونفوس تحمل الكثير فى جعبه النفس وتبدا الثورة والغليان وفى الاخير البركان ويبدأ كلا الطرفان فى احضار الورق كالعملية التجارية.. فاسمى العلاقات الانسانية تقوم على المشاركة وان اقتحمت الانانية فتتغير الاحوال ويتم الانكار وجعل الايام رمادية الالوان وطبيعة النفس البشرية انها تنكر الخير سريعاً وتبدأ فى اظهار الالوان الداكنة للاخر واغفال المعروف واثبات غير ذك ولا يتذكر كلا الطرفان إلا ذاته .. مبدأ الانانية !!

أشكرك يا همس لتعليقك وسطورك..دمتِ بخير

Soul.o0o.Whisper يقول...

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

نور .. آسفة على التأخير

بس جيت مالقتش البوست الجديد
و كمان المدونة التانية مغلقة


خير يارب ؟؟

يارب تكونى بخير
طمنينى عليكى

ابو صهيب ( الجمعاوي الاصيل)سابقاً يقول...

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بداية اتقدم بخالص الشكر على هذا الموضوع الاكثر من رائع

ثانياً ان التضحية لابد ان تكون من كلا الطرفين فلو شعر احد الطرفين ان الاخر يضحي من اجله لتمسك به الى اخر العمر
والتضحية هي التي تخلق نوع من الانسجام بين الاطراف حتى لا يحدث التصادم لو تمسك كل منهم بما يريد ولم يقبل على التضحية وتكون النهاية مؤسفة

دومتم بخير

ن يقول...

السلام عليكم

Nour
ذات المشاعر المرهفة والكلمة الرنانة الصادقة هذا ما خرجت به من مدونتك
أشكرك جدا على التواصل والشكر لله وللعلماء الذين يسعون كل يوم للخروج بجديد من معانى القرآن .

أما عن موضوع هذا البوست فأنا ارى انك اخترتى الموضوع بعناية ومن وجهة نظرى ارى بأن المرأة أوجب بالعطاء ولا تنتظر الاخذ لأن الله عز وجل حباها بفطرة الامومةوالاحتضان وهى فطرة يمنحها لها الله وهى طفلة صغيرة فعندما تراقبين الطفلةالصغيرةوهى تحتضن عروستها وتحن اليها وتتاعمل مع الاشياء عكس الفتى تعلمين انها فطرة طبيعيةتولد بها لذلك هى الاقدر فهما للتعرف على طبيعة المرأة والرجل لأنها ببساطة تربيهم وهى أساس الرحم لهم لذلك يبقى الرجل طفلا مدللاً لدى المرأة ينتظر منها العطاء والمحبة مهما كبر عنها بعشرات السنين وعلى المرأة ان تقيس عطائها الدائم لأولادها وهى تعى دائما بأن الولد يحتاج الاهتمام والمحبة والود وأن تتذكر بأن الزوج يكون فى نفس الدرجة مع إضافة المشاعر الانسانية التى تدوم بينهما .. أنا أرى ان فى فشل العلاقات الزوجية الاساس يكون المرأة وفى نجاحها الاساس يكون المرأة .مع ان هذا الرأى يغضب كثير من النساء اللاتى لا ينظرن الى الحياةبموضوعية .
لك منى كل التقدير والاحترام
مع خالص تحياتى

Beram ElMasry يقول...

Nour
والله انا شايف ان ما ينقصنا ليس قانون وانما تطبيق لدسته القوانين دون الالتفاف حولها. تطبيق نظرية الثواب والعقاب وان يحي الضمير وايضا ان يكون هناك منظومة كاملة ولو لمرة واحدة في مصر بدون ثغرات لان المصيبة عندنا انه ليس هناك فقط ثغرة لكن طائه ومن فوق رؤوسنا كشفتنا جميعا وطلعت مصرينا بره

۩ Nour ۩ يقول...

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ..

همس الروح .. المدونة كان بها مشكلة فى التغذيه والموضوعات مش بتظهر فى الريدر ولخبطه بس اعتقد انتهت ..

ومجرد اجازه بسيطة والحمد لله بخير..شكراً يا همس لسؤالك..

دمتِ بخير

_________________

أبو صهيب

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

أشكرك لتعليقك وسطورك واتفق مع ماورد بها ..دمت بخير

________________

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

الاستاذه / امل

اسعدنى تعليقك ووجهة نظرك جداً واتفق مع سطورك وما ورد بها ..

أنا أرى ان فى فشل العلاقات الزوجية الاساس يكون المرأة وفى نجاحها الاساس يكون المرأة .مع ان هذا الرأى يغضب كثير من النساء اللاتى لا ينظرن الى الحياةبموضوعية .

واتفق معك .. وتلك الحقيقة

اشكرك لتعليقك وسطورك ..دمتِ بخير دوماً

___________________

استاذ بيرم ..إن شاء الله تكون بخير

وشكراً لردك على السؤال ..دمت بخير